سالم محبوب اسماعيل مشرف اقسام مجلس الروحانيين
عدد المساهمات : 560 العمر : 63
| موضوع: ضريح بويا عمر بالمغرب السبت نوفمبر 24, 2012 12:40 am | |
|
لو سألت احدا بالصدفة اليوم، في اي مكان بالمغرب عن معرفته للولي «بو ياعمر» فانه سيجيبك على الفور بان ضريحه متخصص في علاج الحمقى والمصروعين بالجان، وحتى ان استحال على من تسأله تحديد موقع ضريح الولي الشهير على خارقة البلد، فانه سوف يتحدث لك عنه وعن كراماته الباهرة بالكثير من الاعجاب.
فمن هو «بو ياعمر» هذا، الذي تمنحه الاساطير المحلية مطلق السلطات على عوالم الجان والارواح؟ وما هي طقوس العلاج التي يتداولها احفاده جيلا في اثر جيل؟ وما سر «المحكمة الكبرى للجن» التي تنعقد في ضريحه للفصل في منازعات الانس مع الجان؟
موقع المقام
«بو ياعمر» هو عمر بن عبد العزيز بن رحال الكوش, اشهر اولياء المغرب على الاطلاق، اذ يناهز عدد زوار ضريحه المليون زائر سنويا.
يقع ضريحه على بعد 30 كيلو مترا من مدينة قلعة السراغنة (وسط المغرب)، وعلى مسافة ثلاثة كيلو مترات من مركز العطاوية، عبر مسلك طيني تذرعه بلا كلل وعلى مدار ساعات اليوم عربات مجرورة بالدواب.
ويقع الضريح على ضفة نهر تساوت، وهو قبلة للعلاج شهيرة داخل وخارج المغرب، وايضا رحم خصبة لتناسل الاساطير.
وفي كل ليلة، عندما يسود الظلام وتستوطن الوحشة ارجاء منطقة تساوت، وبعد ان يفرغ المؤمنون من صلاة العشاء وتستسلم اجساد المرضى واهلهم للراحة او للنوم، تنبع وسط النهر عين ماء عجيبة ماؤها ليس كالماء، فبياضه الشديد يجعله اشبه ما يكون بالحليب يجري وسط النهر متميزا مثل شريط ابيض طويل, وطوبى لمن يشرب او يلمس جلده، تبشر الاسطورة.
يقول البعض انها تنبع من اعماق النهر كل ليلة بعد صلاة العشاء، ويزعم اخرون ان جريانها يقتصر على الليالي الاربع للموسم السنوي الكبير الذي يلتئم من حوالي الضريح، خلال الايام الاربعة التي تسبق عيد المولد النبوي.
وفي كل الاحوال تتفق الاساطير على ان لذلك الماء المبارك خصائص فريدة تمنح لكل من يشرب منه بعض الجرعات، قدرات ذهنية تسير له سبل النباهة والذكاء او العلاج الشافي المعافي ان كان مريضا.
ولكي يحصل الراغبون على تلك الجرعات الثمينة منه، يرتمي في النهر كل ليلة، خفية عن الانظار، بعض الزوار والمرضى و«الطلبة» (الفقهاء الذين يكتبون التمائم والحروز) واخرون ,,, ويبدأون في سكون الليل تسابقا غامضا وصامتا ينال في اعقابه الاوفر حظا منهم ما يروون به ظمأ الحاجة الى التميز او العلاج بينما يكتفي الاقل حظا منهم بلمس السائل الابيض الهارب، قبل ان يتحلل ويختلط بماء النهر المقدس.
حسب تقديرات الباحثة المغربية خديجة نعموني التي انجزت اطروحة دكتوراه في الانثربولوجيا الاجتماعية حول «بو يا عمر» فان هذا الولي قد يكون ولد خلال العقدين الاخيرين من القرن 16 عشر الميلادي ولكن الغريب انه على شهرته الذائعة الصيت، لا تذكر الاساطير المحلية اي تفاصيل عن طفولته وشبابه، وكل ما يتداول عنه يهم فقط مساره التعليمي وتصوفه بشكل موغل في الاسطورة.
فقد بقي «بو ياعمر» اميا الى حدود سن الاربعين ثم شد الرحال الى زاوية تامكروت الناصرية على ضفاف نهر درعة (جنوب المغرب) وهناك تتلمذ على يد مؤسسها سيدي محمد بن ابراهيم الانصاري وراكم من الكرامات ما جعل شيخه يورثه «دربالته» (اي لباسه الزاهد المرقع) المحملة ببركته، وبفضلها تمضي الاسطورة قائلة، حول بويا عمر رمل الصحاري الى حبات قمح، واظهر في طلب العلم نبوغا غير مسبوق، بحيث استوعب من علوم الباطن والظاهر واصول الدين، خلال شهر واحد ما يكتسبه غيره من طلاب العلم بالزاوية الناصرية في اربعين عاما من الكد والجد.
وبعد وفاة سيدي محمد بن ابراهيم، تولى من بعده خلفه سيدي امحمد بن ناصر امور الزاوية، ومنها مهمة تدريس بوياعمر، فانبهر الشيخ الجديد مثل والده المتوفى بتفوق «الطالب» القادم من ضفاف تساوت على باقي زملائه البالغ عددهم 1400 فمنحه «اجازة» تخول له ان يقيم زاوية يعلم فيها القران للجن والانس، وخلال توديعه لتلميذه النابغة، سلمه سيدي امحمد بن ناصر مرآة هندية «مراية هندية» لها من خصائص السحرية ما يتيح لها علاج مرض التهاب السحايا الشوكية المعروف محليا تحت اسم «اللقوة» ضمن امراض اخرى كثيرة.
وفور عودته من زاوية تامكروت انشأ بوياعمر «محضرة» اي حلقة يجتمع فيها الانس مع الجان لتلاوة القران الكريم، وتأكدت بعد ذلك سلطته المطلقة على كائنات الخفاء، حتى صار في امكانه معالجة «اللقوة» دونما حاجة الى «المراية الهندية» فقام باهدائها - بدوره - الى احد تلامذته المقربين لديه، ويدعى سيدي ادريس، وهو الذي يوجد ضريحه اليوم بنواحي مدينة دمنات، فاصبح هذا الاخير محتكرا لعلاج المس بالجان واستقرت بركة المرآة العجيبة في ضريحه حتى اصبح ملقبا وشهيرا بسيدي ادريس «مول المري» اي صاحب المرآة.
تضيف الاسطورة تاقت المرآة الهندية الى صاحب الكرامات الفريدة بوياعمر الذي فوض اليه «ديوان الصالحين» مطلق السلطات على الجان، وترتعد امامه مخلوقات الخفاء فقررت (المرآة او القوة السحرية التي تسكنها) العودة اليه، هو الذي يحسن استعمال خصائصها العجيبة.
وتقول رواية اولى، ان جنية من اناث الجان استغلت نشوب معركة بين ابنتها وسيدي ادريسي، فاستولت على المرآة وحملتها الى «بو ياعمر» بينما ترى رواية اخرى وامر انتقال او لنقل عودة البركة الى «بو ياعمر» على النحو الذي تنقله الحكاية العجيبة التالية: بعد ان استقرت بركة «المري» في ضريح سيدي ادريس لم يحسن احفاده استعمالها بشكل سليم، فقد بالغوا في التهافت وراء الحصول على مكاسب مالية من معالجة المرضى وبلغ ابتزازهم.
وبلغ بهم الجشع الى ابعد الحدود، حيث لم يراعوا في ذلك حرمات ضريح جدهم سيدي ادريس، وعهده الذي قطعه لبوياعمر حين سلمه المري.
وذات مرة سمحوا ليهودي بان يدخل ضريح سيدي ادريس في مقابل مبلغ مالي كبير من اجل معالجته بواسطة «المري» وبينما كان الضريح غاصا بالمرضى والممسوسين بالجان، تحركت قوة خفية ونقلت في اللحظة نفسها التي دخل فيها اليهودي جميع من كانوا في ضريح سيدي ادريس ومعهم المراية الهندية الى ضريح «بو ياعمر» الذي يبعد عنه مسافة 30 كيلو مترا تقريبا ,.
وما ان وجد المرضى وذووهم انفسهم داخل ضريح «بو ياعمر» حتى اخذوا يبكون ويستنجدون ببركته طالبين الصفح فقد ادركوا من دون شك ان شيئا ما قد حصل، ولابد ان يكون خطيرا، هو الذي اعضب القوة السحرية للمرآة.
ومنذ تلك الحادثة الغامضة تختم الاسطورة استقرت «بركة المري» نهائيا بين اهلها المستحقين لها، والعارفين بقدرها واحتفظ بها احد الشيوخ الثقاة من احفاد بويا عمر في مكان مجهول وآمن ,,, الي ان «وقف عليه الولي» في منامه وطلب منه ان يدفنها سرا في جدار زاوية الضريح المواجهة للقبلة، وكذلك كان فصار «بوياعمر» للابد مطوع الجاني والجانية!
المحكمة الكبري
تقول الاسطورة انه اجتمع في زمن غابر «ديوان الصالحين» المؤلف من اربعة واربعين وليا من كبار اولياء المغرب، كي يوزعوا بينهم التخصصات والكرامات فقر قرارهم باجماع «الديوان» على ان يمنحوا لواحد منهم، هو الولي «بوياعمر» مطلق السلطات على قبائل الجان، وفوضوا اليه المهام الشاقة المرتبطة بالفصل في النزاعات والصدامات التي تحدث بين عالمي الانس والجان منذ بدء الخليقة والى ان يشاء الله، فكان اجتماع ديوان الصالحين ذاك اعلان نشأة محكمة الجان الكبري التي تعقد في صحن الضريح.
هي في معتقد الملايين من عامة الناس التي تعتقد في الكرامات الخارقة لبو يا عمر محكمة تنظر في «الملفات» التي تعرض عليها ككل المحاكم الحقيقية، ولها قضاة وجلادوها من نوع خاص، وهي مهيكلة بدهاء وفق التصور الاسطوري لمحكمة سليمان الحكيم.
وفي فناء الضريح وداخل غرفة يتكدس مرضى وممسوسون بالجان من الجانسين ومن كل الاعمار بعضهم قضى هناك عدة سنوات في انتظار حصوله على «الاذن« من «السيد» (اي من بوياعمر) كي يعود الى اهله.
اطفال صغار يقيمون برفقة امهاتهم المريضات، وامهات انقطعن عن حياتهن الاجتماعية الى جانب الازواج من اجل البقاء مع بناتهن المريضات ومجتمع من المرضى وذويهم ائتلف من حوالي الضريح وحده المرض والامل في العلاج ومحكوم عليه ان يقيم ما شاءت له المحكمة الغيبية ان يقيم الى ان يصدر «الاذن» للفرد منه بنهاية «العلاج» والانصراف للعودة من حيث أتى.
الماء الذي في المرجل النحاسي يغلي فوق لهيب نار قنينة الغاز الصغيرة وسحائب البخار الحار(السبولة) تحدث عند خروجها من فم المرجل صوتا يشبه صغيرا متسارعا «في مواجهة الأنظار المشدوهة للمرضى واهلهم يمد مول المقراج (اي صاحب بركة المرجل) يدا منفعلة الى المقراج ليرفعه من على النار تحدق الاعين القلقة بخوف وامل في ما يصدر عن «الشريف» الذي يتدلى على وجهه شعر رأسه المتراقص وبحركة سريعة تنال اعجاب الحاضرين يفرغ من الماء الساخن درجة الغليان ما يكفي لملء فمه، من دون ان يبدي ادنى تأثر لذلك ثم يقوم ببصقه على رؤوس المرضى القابعين عند قدميه، يعيد الكرة من جديد فتتسابق رؤوس اخرى لنيل «البركة» والجميع يولول في هياج هستيري.
ان «موالين المقراج» (اصحاب بركة الماء الساخن) هم احفاد بو ياعمر المتخصصون في نقل بركته المعالجة الى المرضى من خلال بصق الماء الساخن عليهم، او الاكتفاء بنفث البصاق عليهم، خصوصا حين يتعلق الامر باطفال صغار او رضع لا يتحملون درجة غليان الماء.
فجأة يتعالى في ركن من الضريح الفسيح نشيج بكاء طويل النفس يليه صراخ متقطع وحاد لا البكاء ولا الصراخ يثيران فضول العالم الهائم الذي يضج بجلبته المكان الحمقى مقيدون بسلاسل من ارجلهم ويتجولون بحرية كاقنان من زمن العبيد، هي ليست سلاسل عادية -- يقول الشرفاء الرحاليون احفاد بوياعمر - فهي ما ان توضع في اطراف اشد الممسوسين بالجان عنفا حتى يعود اليهم هدوءهم.
ان المقيمين في ضيافة الولي بويا عمر صنفان: صنف ينتظر ان تبث المحكمة الكبرى في «ملفه» مع الجاني الذي «يلبسه» وقد تطول فترة الانتظار او تقصر حسب مشيئة الولي (اي احفاد المسيرون للضريح).
والصنف الثاني من ضيوفه هم اولئك الذين صدر في حقهم حكم يقضي ببقائهم في جوار الضريح لاشهر عديدة او لسنوات حتى!
لكنهم جميعهم منتظرون او محكومون يبدو ان العلاج بطقس التطهر اولا، الذي يقتضي منهم فور الوصول الى تساوت ان يطعموا جوفهم من تراب «السيد» معجونا بماء النهر المقدس.
عندما يمثل مريض امام المحكمة الكبرى ـ تتغير نبرات صوته، لأنه يتكلم بلسان الجاني المعتدي عليه الذي «يسكنه» وتبدأ وقائع المحاكمة الغيبية بطلب الاحفاد من الجاني «التسليم» (اعلان الخضوع) لبويا عمر، والعملية في حقيقتها تقوم على صرع الجان ويختص بها احفاد الولي المعروفون باسم «موالين الاذن» (اصحاب الاذن) وهم المفوض لهم دون غيرهم بمقارعة الجان ومفاوضته بهدف «اخراجه» من الجسد المريض يفعلون ذلك و«بركة» جدهم بويا عمر تحميهم من اذى مخلوقات الخفاء الشريرة، خلال «المحاكمة» اي خلال حصص صرع الجان.
ويتملك الحال أحد «الملبوسين» بالجان، فيتمرغ فوق أرض الضريح, يأخذ صوته نبرات غير عادية، فالجاني يتكلم بلسانه ليرد على استنطاق «مول الاذن», يكشف عن هويته، ثم بعد مفاوضة غريبة يفرض الجاني شروطه «لمغادرة» المريض, وفي أغلب الحالات يطلب كشرط أساسي أن يراق دم قربان (ثور أوكبش، حسب امكانيات المريض) كي يعقد مصالحته مع خصمه والآدمي، ويضيف الى ذلك اشتراطه على المريض ان يقضي مدة معينة بضريح بوياعمر كنوع من العقاب.
بعد حصول الاتفاق الغريب في المحكمة الغيبية، يتدخل «المعلم بوشويشية» وهو من أولياء الجان وجلاد المحكمة، كي يقدم الجاني الماثل أمامها القسم بين يديه، متعهداً بأن يترك المريض بسلام عندما يستوفي هذا الأخير الشروط المفروضة عليه.
لكن قد يحدث الا يكون الجاني «المصروع» من النوع السهار المراس، فيرفض حتى مجرد الاعتراف لبويا عمر بسلطانه على الجان, وهنا يتدخل «المعلم بولحرير» الذي يشغل في تراتبية النظام القضائي الغيبي لبوياعمر، قاضياً على قبائل الجان وحاملاً لخاتم سليمان الذي تهابه الجان, يتدخل بأمر من «مول الإذن» الذي يقود المحاكمة (أي حصة صرع الجان) فيخرج الجاني المتمرد من الأدمي المريض ويسلمه الى «سيدي الشتوي»، وهو جني آخر من خدام المحكمة مهمته كجلاد ان يحرق الجان المتمردين (النواقم).
أما اذا تمكن جني متمرد من الفرار من المحكمة الكبرى، فإن «لمعلم اليزيد»، وهو الجاني فارس المحكمة يقوم بتعقبه لاعتقاله، ثم اعادته الى سلطة الولي بويا عمر كي ينال عقابه.
وفضلاً عن هؤلاء «الخدام» الأربعة، تضم هيكلة محكمة الجان الكبرى ايضاً «الجاني الرباني» مولاي احمد الرحالي، الذي تتحدد مهامه في حماية «موالين الإذن» وهم احفاد بوياعمر المأذون لهم بمقارعة الجان.
ان استعراض تشكيلة المحكمة الغيبية لبوياعمر، يسمح بإبداء ملاحظتين اثنتين على الأقل:
من جهة، تتشابه اسماء خدام المحكمة من أولياء الجان مع الاسماء الآدمية المتداولة (أحمد الرحالي، اليزيد، الشتوي,,,) عكس ما هو معروف عن حمل مشاهير الجان لأسماء غريبة عن النطق المحلي، كشمهاروش وميرا، وغيرها,,, ومن جهة ثانية، نلاحظ ان الألقاب الدرجات تتوزع، بشكل لم تبرره الأساطير، بين «لمعلم» التي يطلقها المغاربة عادة على كل حرفي برع في حرفته وبلغ فيها درجة الاتقان, و«سيدي»: و«مولاي» وهي ألقاب تستعمل «لتشريف» فئة خاصة من الناس,,, حيث «سيدي» تنطق قبل اسم الأشخاص الذين يميزهم علمهم او جاههم عن عامة الناس، بينما «مولاي» تطلق على من ثبت انحدار اصوله من الدوحة النبوية الشريفة, فكيف يحمل الجاني «بولحرير» لقب «لمعلم»، وهو الفقيه القاضي الموكول اليه اقامة العدالة بين قبائل الجان، بينما يحمل جلاد المحكمة (الشتوي) مثلاً، لقب «سيدي» الأكثر تشريفاً؟ ولماذا تتوفر لبعض اولياء الجان مقامات، بنيت قريباً من ضريح بوياعمر، تتم زيارتها واقامة طقوس خاصة فيها كجزء من «زيارة» الولي بوياعمر,,, بينما خدام آخرون ليست لهم مقامات؟
وإذا أخذنا العدد الهائل من الزوار الذين يفدون سنوياً وبلا انقطاع الى الضريح دليلاً على نجاعة اساليب العلاج النفسي والبدني التي يحصلون عليها، فإن السؤال يثور حول السر الذي يجعل بوياعمر يستقطب من الحمقى والمرضى اليائسين اكثر مما تستقبل المصحات العمومية في المغرب.
| |
|